أسرانا مابينَ قسوة التعذيب وفرحة اللقاء

بقلم ـ أميرة السلطان

هي آرواح متفرقةٍ من كل مكان في أرجاء هذا الوطن جمعهم مكان واحد ، مكان لا يرغب فيه أحد ، وربما لم يخطر ببالهم يوماً أنهم سيدخلونهُ ، ليقعوا فريسة في يد الجلاد الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة .

كان لي شرف اللقاء مع أم أسير أطلقَ صراحهُ في وقتٍ سابقٍ وسألتها عن ابنها المحرر طالبةً منها أن تروي لي ما تستطيع من أحداث .
بادرت تلك العظيمة بالكلام وفي عينيها بريق فرح لا متناهٍ وفرحةٍ غامرةٍ يحار المرؤ من وصفها قائلة : كان لي ابن أسير في أحد غياهب الجب لدى العدوان ، كنا نجتمع أنا ووالده وبقية أفراد الأسرة كل مساءٍ لنحكي عنه وعن تلك المواقف التي كان يعملها ، ونتدكر كلماته عندما يعود إلى المنزل وعند خروجه ، سنين ثلاث مدة غيابه عنا ، أحرق الشوق مهجة الفؤاد ولم يكن يطفأ شعلة الأشتياق إلا تمتمات بالتسبيح والاستغفار ومناجة لله بأن يُسمعنا عنه كل خير .

ثم أردفتْ قائلة أن ابنها المحرر روى لهم عند عودته صوراً من العذاب الذي كان يطالهم من الجلاد وكيف كانوا يعاملون الجرحى منهم ، أنواع تعذيب لم نسمع عنها إلا في قونتنامو أو سجن أبو غريب !!
سجنٌ لا نافذة فيه ، لم يكونوا يعرفوا هل الوقت ليلا أم نهارا ، وأن من كان يشرف على السجون كان يمنعهم حتى من التسبيح أو الاستغفار !!!!
سجن يمتهن كرامة الإنسان بكل مال الكلمة من معنى.

ثم تابعت الأمُ حديثها : ما زادنا عزاً وفخراً وشموخا أن ابني كان يحدثنا بمواقف إيمانية وصمود أسطوري قل لها نظير ، فقد أخبرنا أنه كلما زاد تعذيبهم زادت لديهم الرغبة في الاستغفار والتسبيح .

وفي إحدى المرات تبادرت إلى ابنها فكرة في كيف يقضي وقت فراغه الطويل فقال لهم : كنت أجمع نواة التمر المرمية على الأرض ثم ثقبتها وأخذت ما كنت أرتديه ( المعوز) وكنت أنتزع منه الخيوط وفي نهاية المطاف صنعت لي ولزملائي مسبحة لذكر الله .
وحقيقة أذهلتني الطريقة في صنع تلك المسبحة طالبة من الأم أن تعطيني إياها ولكنها قالت : للأسف أنا لا أمتلك إلا هذه المسبحة ولو كنت أمتلك واحدة أخرى لكنت أهديتها لك.
ثم قالت : سألت ابني
كيف كنتم تستحملون تلك الضربات على أجسادكم ?!

قال لها كلمة عظيمة تدل حقيقة على عظيم إيمان : إن من جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام لأنه وثق بربهِ وانطلق يدعو إلى الحق ورفض الباطل ، سيجعل صنوف التعذيب علينا برداً وسلاماً.

ثم سألتها سؤالاً أخيراً عن لحظة اللقاء كيف كانت?

ضحكت من سؤالي لأنها تذكرت لحظة اللقاء كيف كانت فقال : كانت لحظة لا وصف لها وكأنها ليلة القدر ، دقائق لم أعشْ مثلها ولم أتخيل أنني سأعيشها .
أخبروني أن أسيري قادمٌ في الطريق ، وقتها لم أستطع حتى أن أقف على قدميّ .
كانت تلكَ اللحظة أجمل ما عشتهُ وتمنيت حينها أن يُفرج عمن تبقى منهم وسألت الله أن يُفرح قلبَ كل أم .
تلك هي أم الأسير المحرر
عبد الودود الكبسي .

فسلامُ الله على مجاهدينا وأسرانا وجرحانا الأبطال أين ما كانوا .

#والعاقبة للمتقين

#اتحاد_كاتبات_اليمن

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق