*إلى عزيزي العزيز… -11*

بقلم ـ رويدا البعداني

وأبيضت عينا أميَّ حزنًا لغيابك، وأسفًا لما أحدثه فراغك. هذه المرة تآمر عليها أحد عشر شهرًا، أتاها في يومٍ لافح بقميصك المدمي زورًا، ظل ينعب بصوته المشؤوم قصته الكاذبة عن الذئب الشرس وكيف قضى وطره منك، كان يُحاكي قلب أمي الرؤوم بالنحيب لكي تُصدق، عله بذلك يتمكن من إخفاء جرمه الطاعن وينجو بفعلته الشنيعة. ورغم دهائه في المكر إلا أنه لم يتوفق في مكيدته، لم يأت بقميصك المألوف لأنامل أمي والساكن عيناها، لم يأت بقميصك الذي يُشتم عبق أريجه قبل قدومه، أتى بقميص لا أدري لمن هو. وهنا انزلق تأليفه نحو وهد الكذبات فقد أنصبه وزر الخزعبلات. من حينها اعتزل فن التكذيب، حتى قيل أنه ولج في صومعة التوبة يستغفر ما اقترفه.

الأهم من ذلك هو حال أمي نسيتُ أن أخبرك أنها اعتكفت في جب الانتظار لأيام؛ راجية رؤيتك في القريب. لم تزاورها أشعة الشمس، وكذلك القمر أفل ولم يعد ليؤنسها كما كان يفعل.

ظل الشك يخامر فكرها المتقد بك، تغتالها هواجس مستعرة عن حالك وهل أنت بحال جيد؟ تستذكرك متى ماجن الليل وأرخى جدائله، متى ماتنفس الصبح وتراقصت نسائمه، تُبكيك سرًا وتدعي التبسم جهرًا، فوالدها الراحل أورثها كبرياءً كافياً لمواجهة وابل من الدموع، محياها لم يحدث وأن أمطرت مُقليته. ويوم فقدت والدها لم تنتحب مُصابها الباكي، بل اكتفت ببعض رذاذ زمزمي يطهر مأتم رحيله، فجدي رجل عظيم ذو أبهة، أورث أولاده وأحفاده البسالة وعدم الانحناء. ولكنه نسى أن يعلمهم كيف يبكون حين تجتاحهم رغبة لبعض بكاء.

هاأنا أقف على عتبة عامي العشريني وأشعر بالضعف كوني أُنثى لا تبكي، ليسامحك الله ياجدي. لازلتُ أذكر يوم سألتُ أمي عن كيفية موت والدها، وكيف هو حال خلدها الذي يتوق لوصالك، لحظتها أجالت نظرها إلى أركان الغرفة الشاغرة منك؛ تترقب الجدران المتخمة بالصمت والكتمان كحالها، تسمرت متحفظها بصمتها المرهون، وحين أعدتُ السؤال حاولت أن تستعيد نبضات جأشها رويدًا رويدًا لتجب، لكنها للمرة الثانية اعتكفت منابر الصمت من جديد. لتوها قررتُ أن لا أسأل أميَّ كي لاأجرح كبرياء صمتها ولكني أدركت أنها بحاجة للبكاء كحاجتي وأكثر. ليسامحك بوحنا السجين ياجدي .

أيها العزيز :-
سامحني لهرامة سطوري، ونحيب حروفي، فرسالتي هذه ليست بخير كحالي، ولتشهد أناملي أني آثرت أن لٱ أرسل هذه الرسالة المضرجة بالبؤس وعتاقة الماضي، ولكن شغف الحروف شاغب فكري، وسطو الأنامل جرني لأكتب ومن ثم أمضي بها إليك عبر حمامي الزاجل، والسلام عليك إلى يوم التلاقي .

23/آب/2020

#رسائل_زاجلة _إليك.
#اتحاد_كاتبات_اليمن

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق