أسطورة الفداء

ألطاف المناري

قرأت الكثير من أساطير الخيال وحُكي لي الكثير منها ، ولكن مالامس وجداني وكياني هو ما أراه من أبطال بلدي المجاهدين، رأيت منهم ماجعلني أرى نفسي ذرة غبار في هوائهم ،جعلني أقول أين أنا مما يقدموه، أرى نفسي صغيرة جداً أمامهم وأنا كذلك، فما رأيته اليوم وبالتحديد في محافظة الجوف-المرازيق-، هو أسطورة فداء حقيقة كان بطلها مجاهد يقارب عمره العشرينات ينتمي لموطن جاد بالعظماء موطن جعلت منه الحرب مصنع للرجال الذائبون في حب الله، وتضحياتهم أشبه بأساطير الخيال .

من أولئك العظماء المجاهد /هاني محسن طومر المكنى(أبا فاضل) الذي شارك في أكبر العمليات للجيش واللجان الشعبية أبرزها: عملية البنيان المرصوص، وعملية فأمكن منهم، وعملية نصر من الله .
تقلد منصب قائد لواء المدرعات ويوجد من يكبره سناً ، إلا أن معيار حرب المجاهدين ليس العمر وإنما مايحمله من إيمان وولاء وإخلاص وتلك هي المعايير القرآنية.

كان لمحافظة الجوف الشرف في أن وطأ هذا المجاهد رمالها، وتنشق من عبير هواءها، وخاض ملاحم بطولية خالدة في ساحاتها ،وفي إطار جاهده المقدس هو ورفاقه وفي أجواء باردة، وعواصف شديدة، وفي أرض قاحلة لاشجر تغطي أجسامهم المحلقة في فضاء الله ، ولا حجر يقيهم من رصاصات العدو ،ساح المعركة تحيطه جبال يتمترس في قممها المنافقون والمغرر بهم، في تلك الأجواء العصيبة نفذ المجاهدون عملية عسكرية واسعة ،تمكن العدو من التحويط على مجموعة من المجاهدين ومحاصرتهم ، وما إن وصل الخبر إلى أبا فاضل حتى حمل روحه بين كفيه ،سلاحه الإيمان والتوكل والوثوق بالله ،هب لنصرة أخوانه وفك الحصار عنهم، رفيقه في تلك المغامرة الله وآليته التي يمتطيها، حمل لهم من المؤنة ماتسعه آليته المدرعة التي شق بها رمال الصحراء المجدبة والرصاص والقذائف تتناوله من ثلاث جهات ، لايرى غير رفاقه، ولايسمع إلا صوت الزامل ، يكمل طريقة غير آبهٍ بزخات الرصاص ، يمكنه الله فيصل أبا فاضل إلى المجموعة المحاصرة فيأخذ من الجرحى ما أستطاع، ويعود المغوار والرصاص تنهال عليه كزخات المطر ، يصل بالجرحى ونفسه تحدثه قائلةً : أرجع إلى من تبقى ولا تستسلم، فيعاود الكرة بطقم عادي ليس مصفحاً، شاقاً طريقه من بين كومة الرصاص الساقطة عليه، فالبعض تصيبه والأخرى تخطئه ، أيدهُ الله في هذه المرة أيضاً فيسارع لحمل مايسع طقمه المعطوب ويعود سالماً بفضل الله .

لم تهدأ روحه ولم يستقر قراره وهو مازال يرى مجموعة ينال منها العدو من كل اتجاه ، فيعود للمرة الثالثة يستقل آلية أخرى ويمضي مسابقاً الزمن؛ لينقذ بقية المجموعة المحاصرة التي أضطرت لتغيير موقعها بسبب كثافة القصف عليها ، يصل أبا فاضل ولا يرى رفاقه فيدور باحثاً عنهم والقذائف لا تنفك عنه ، يحاول من خلال جهازه أن يعرف موقعهم ولكن هذه المرة كان الله قد أحب أن يكرمه بضيافته ، فترجل المغوار ومضى بعض خطوات وخرّ على الأرض صريعاً شهيداً مقدام محلق مع الملائكة ، تاركاً لنا دروس لا تدرسها الجامعات ولا المعاهد الكبرى ، دروس حريٌّ بهذا الشعب أن يخطها ويدرسها الأجيال القادمة فأبا فاضل أسطورة الفداء والتضحية ، أسطورة في الوفاء والإخلاص ، على يديه تحقق مصاديق الله ووعده لأويائه بالنصر والتمكين والغلبة ، لقد كان معجزة من الله في هذا الزمان.

سيدي أبا فاضل: أي إيمان حملته ؟
من أي مدرسة تخرجت أيها الليث الهمام ؟

سيدي أبا فاضل: فاضت العيون دمعاً عندما رأيناك أيها الفارس تترجل من على طقمك لتحتضنك الشهادة.

كيف طاوعت قلوب المنافقين قتلك؟
كيف أستطاعت الرصاصات النيل منك؟
ليتني ياسيدي كنت مقواد آليتك أو نعلك الذي إنتعلته،
ليتني تلك الرمال التي شربت من قطرات الدم القاني الخارج من روحك الزاكية لأرتوي من إيمانك وعطائك.

أبا فاضل ماعسى الثمانية والعشرون حرفاً أن تُكوّن جملةٍ تصف فدائك وروحك الذائبة في حب الله؟!
وما عسى الكاتب أن يخط أمام موقف تقشعر له الأبدان وكأنه ضربٌ من الخيال!؟

إستبسالك يا أبا فاضل يضاف إلى قائمة المعجزات التي تفوق ماكان في عهد النبي موسى _عليه السلام _، معجزات هي حجة على كل إنسان ذو عقل وفكر ، إن لم نأخذ الدروس منها ؛فسيحل علينا عذابٌ أشد من تيهِ بني إسرائيل ؛ لأن كل الشواهد على الحق جلية وواضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، ومن لم يراها فقد أعمى الله بصره وفؤاده وضرب عليه التخبط والهوان.

علينا أن نحمل روحية أبا فاضل وجهاده ووفائه وإخلاصه، يجب أن نسعى إلى أن يكون إيماننا بالله كإيمانه ؛لنذوب في حب الله فنرخص الدنيا ونفوز بالأخرة، أن تقبل الله منا أعمالنا، نسأله خاتمة كخاتمة أبا فاضل، وشهادة كشهادته، وفوزاً كفوزه_ عليه السلام_ بعدد البشر والشجر والحجر، خط تاريخ اليمن بدمهِ الطاهر فسلامٌ سلام.

#اتحاد_كاتبات_اليمن.

مقالات ذات صلة

إغلاق